خضر أنور
“المجموعة الاممية في لبنان “
“يا رفيق/ة بكرا عنا ترويقة”. هذه الجملة كانت بمثابة كلمة السر الكفيلة لتضع بعض الرفاق في الحركة الشبابية للتغيير في حالة تأهب للاستعداد لاقتحام وزارة أو مؤسسة خاصة لإيصال خطاب سياسي معين كاقتحام جمعية المصارف، أو مصرف لبنان، أو وزارة البيئة… لم تكن الأهمية في المركز ولا مدى خطورته، بقدر ما كانت في محاربة بنية النظام اللبناني. ولكن في المحصلة، كانت محاربة بنية النظام تحتاج الى أكثر من “ترويقة ” وأكبر من مجموعة شبابية. محاربة النظام تحتاج إلى إطار ثوري أكبر وأمتن فكرياً وسياسياً وتنظيمياً. لم تكن المرة الأخيرة “ترويقة” بل كانت كالعشاء الأخير. وقد قدمنا في البيان الأخير للرفاق نموذجاً واعياً وواضحاً بحل إطارهم والدّفع نحو الأمام.
لقد أصدرت الحركة الشبابية البيان الأخير حيث أعلنت فيه حلّ نفسها، موضحّة بشكل شفاف مشكلتين أساسيتين. الأولى هي قوة العدو المنظمة أي النظام اللبناني، والثانية ذاتية تتمخض حول الفكر والسياسة والتنظيم. ودعت الحركة في نهاية البيان الرفاق المتفقين على رؤية متقاربة إلى تشكيل إطارهم والانخراط في المواجهة. وهذا فعلياً ما كانت قد بدأت عليه مجموعة كانت قد انسحبت من الحركة قبل أشهر من الحلّ، يمكن أن ندعوها بـ”المجموعة الأممية في لبنان”.
لماذا “المجموعة الأممية في لبنان”؟ وكيف ترى الصراع وأساليب المواجهة وكيف تبلورت؟
لعبت الانتفاضة الشعبية في لبنان عام ٢٠١٩ دوراً كبيراً في تبلور نواة هذه المجموعة من رؤيتها الفكرية وصولاً للطروحات السياسية. ولا بد من الإشارة إلى أن الانتفاضة لم تكن السبب الوحيد، بل هي عملية تراكمية لعلها بدأت من اللحظة الاولى لتأسيس الحركة الشبابية للتغيير. وكان البيان الاخير قد تطرق إلى هذه النقطة. فالحركة تأسست حاملة تيارات فكرية متشعبة، وفي كل مرحلة بالأخص بعد تراجع زخم التحركات الشعبية كالمرحلة التي تلت الحراك الشعبي عام ٢٠١٥ والمرحلة التي تلت الانتفاضة وكورونا، كانت تتمخض الصراعات بين التيارات الفكرية لينسحب تيار يتبنى طرح أشبه بالماوية أطلق على نفسه اسم يسار الممانعة لا سيما بعد تحركات ٢٠١٥. في المقابل، كانت وتيرة النقاشات الفكرية والسياسية تنخفض أثناء الزخم وتعلو وتيرة وحدة الالتزام في التنظيم. والسبب في هذا يعود بشكل خاص إلى أن إطار الحركة ولد في الشارع أثناء تحركات ٢٠١٥، وبلغت ذروة استقطابه وتحركاته الميدانية والمشاركة الجماعية أثناء الزخم.
لقد أصدرت الحركة الشبابية البيان الأخير حيث أعلنت فيه حلّ نفسها، موضحّة بشكل شفاف مشكلتين أساسيتين. الأولى هي قوة العدو المنظمة أي النظام اللبناني، والثانية ذاتية تتمخض حول الفكر والسياسة والتنظيم. ودعت الحركة في نهاية البيان الرفاق المتفقين على رؤية متقاربة إلى تشكيل إطارهم والانخراط في المواجهة. وهذا فعلياً ما كانت قد بدأت عليه مجموعة كانت قد انسحبت من الحركة قبل أشهر من الحلّ، يمكن أن ندعوها بـ”المجموعة الأممية في لبنان”.
لماذا “المجموعة الأممية في لبنان”؟ وكيف ترى الصراع وأساليب المواجهة وكيف تبلورت؟
لعبت الانتفاضة الشعبية في لبنان عام ٢٠١٩ دوراً كبيراً في تبلور نواة هذه المجموعة من رؤيتها الفكرية وصولاً للطروحات السياسية. ولا بد من الإشارة إلى أن الانتفاضة لم تكن السبب الوحيد، بل هي عملية تراكمية لعلها بدأت من اللحظة الاولى لتأسيس الحركة الشبابية للتغيير. وكان البيان الاخير قد تطرق إلى هذه النقطة. فالحركة تأسست حاملة تيارات فكرية متشعبة، وفي كل مرحلة بالأخص بعد تراجع زخم التحركات الشعبية كالمرحلة التي تلت الحراك الشعبي عام ٢٠١٥ والمرحلة التي تلت الانتفاضة وكورونا، كانت تتمخض الصراعات بين التيارات الفكرية لينسحب تيار يتبنى طرح أشبه بالماوية أطلق على نفسه اسم يسار الممانعة لا سيما بعد تحركات ٢٠١٥. في المقابل، كانت وتيرة النقاشات الفكرية والسياسية تنخفض أثناء الزخم وتعلو وتيرة وحدة الالتزام في التنظيم. والسبب في هذا يعود بشكل خاص إلى أن إطار الحركة ولد في الشارع أثناء تحركات ٢٠١٥، وبلغت ذروة استقطابه وتحركاته الميدانية والمشاركة الجماعية أثناء الزخم.
لذا يمكن القول بأن إطار الحركة الشبابية منذ تأسيسها وحتى حلّها كانت حركة مرتبطة بشكل جدلي مع حركة الشارع، إلا أن الأزمة كمنت في كيفية المزاوجة بين العمل الميداني والبناء الداخلي التنظيمي. ونتيجة ضعف الإمكانات كانت تنقطع العملية التراكمية لتحويل هذا الإطار إلى حزب ثوري يستطيع تصدر المواجهة.
منذ التأسيس وحتى اليوم، لطالما حاولت “المجموعة الأممية في لبنان” داخل الحركة كسر هذه الدوامة، من خلال وضع خطط عمل وبرامج تثقيف لا سيما الخطة التي وضعتها عام ٢٠١٨ بهدف بناء الكتلة التاريخية المستمدة من رؤية غرامشي للتغيير. وقد بذلت في هذه الخطة جهداً بدأ من تحركات ميدانية واجهت فيها الشركات الخاصة ومؤسسات النهب المصرفي وسفارات الحكومات المهيمنة على القرار السياسي في لبنان. وأدّت هذه التحركات لاعتقال عدد من الرفاق مما ساهم في رفع حدة الاستقطاب والتثقيف في الوقت الذي كانت وتيرة التحركات الشعبية شبه معدومةز ولا بد من الإشارة إلى أنها كانت المرة الأولى في تاريخ الحركة الشبابية التي يرتفع فيها عدد منتسبيها بمعزل عن ارتفاع زخم التحركات الشعبية في الشارع.
استمرت هذه المحاولات كما استمر السير وفقاً للخطة الموضوعة حتى الانتفاضة الشعبية، والتي برزت فيها الحركة نتيجة طول التجربة الميدانية والتحركات الحساسة. ولكن وفي صلب الانتفاضة، كانت النقاشات داخل الحركة بدأت تنذر بنضوج تيارين فكريين.
التيار الأول ينطلق من نظرية الصراع الطبقي ليحللّ بنية المنظومة وشكل الدولة والنظام اللبناني والعالمي والهيمنة الامبريالية والقوى الإقليمية، ويبلور وفقاً لذلك طروحاته السياسية.
التيار الثاني ينطلق من الموقف المضاد للأميركي على أساس التناقض مرتكزاً على الصراعات الجيوسياسية في المنطقة، ليبلور خطابه وموقفه السياسي متجاوزاً بذلك نظرية الصراع الطبقي والتي هي إحدى أسس الماركسية في التحليل.
ونحن إذ نعبر عن التيار الاول، نعتبر أن نضوجه مرتبط بغوصه في تجربة تنفيذ خطة العمل في الـ ٢٠١٨، التي كانت بوابة للاطلاع أكثر من أي وقت مضى على أدوات التحليل الماركسية؛ من غرامشي حتى مفهوم الثورة الدائمة لمحاولة فهم بنية النظام المحلي وارتباطه بالنظام العالمي على أساس التطور اللامتكافئ للرأسمالي. ومن جهة أخرى، بدأ في هذه الفترة التواصل مع قوى ماركسية تنطلق من أدوات التحليل نفسها بغاية تشكيل أممية لمواجهة النظام العالمي. كل هذه العوامل بالإضافة للأحداث السياسية اللبنانية والشرق أوسطية ومسار سير الانتفاضة كانت عوامل أساسية لتبلور هذا التيار. بينما تبلور التيار الثاني وأخذ يحسم موقفه في صف “الممانعة” نتيجة التأثر بالأحداث السياسية في الشرق الأوسط، وبالتالي توجّه لشبه تبنّي لخطابات أمين عام حزب الله وربط الأزمة بفكرة الحصار الأمريكي على لبنان.
حاولت مجموعة الأممية في لبنان داخلياً رفع حدة النقاشات الفكرية من أجل بت الخلاف في وجهات النظر منذ البدء. فكانت محصلة النقاش الفكري الداخلي في فهم طبيعة النظام أنه يتشكل من ٣ اعمدة أساسية وهم الميليشيات الحاكمة التي تتمثل في السلطة السياسية، الطغمة المالية، والسلطة الدينية. ويلعب مصرف لبنان دور تأمين المصالح المالية لهذا التحالف.
إلا أنه عند كل حدث سياسي نعود إلى الدوامة نفسها، بالأخص مع بروز أي خطاب لليمين بوجه سلاح حزب الله.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا نعلم أن اليمين هم على الجهة المضادة لنا أيدولوجيا، ولكن الطرف الآخر “حامل السلاح” هو يمين أيضاً. والطرفان يشكلان المنظومة مع حلفائهم في دعم وحماية الطبقة الغنية، وهذا ما لمسناه عند أكثر من استحقاق لا سيما الانتخابات الأخيرة بتحالف الحزب مع مدير عام بنك الموارد مروان خير الدين ودعم رئيس مجلس إدارة جمعية المصارف سليم صفير للوائح القوات.
كل هذه العوامل جعلت التياران على تضاد. وفي المقابل استمرت المجموعة الأممية في لبنان في خلق حلقات نقاش فكري من جهة، وكانت تلك المجموعة تجد بيئتها الحاضنة أممياً من جهة أخرى. ومع استمرار حلقات النقاش، باشرت المجموعة في وضع خطة عمل لتشكيل الإطار الثوري بخطوة أكبر من إطار الحركة الشبابية نفسه، وذلك بالتواصل مع وضم ماركسيين خارج أي إطار حزبي.
إلا أن الانفجار بين التيارين كان أقرب من البدء بالخطة وبالأخص بعد بدء جولة جديدة من النقاش حول الحرب الامبريالية الروسية -الأوكرانية.
وأتى قرار انسحاب المجموعة الأممية في لبنان، وحل الحركة الشبابية نتيجة طبيعية لكلّ هذه التراكمات.
فالمجموعة الأممية في لبنان، شاركت في تأسيس الحركة الشبابية عام ٢٠١٥ وكانت كل محاولاتها لتحويل إطار الحركة إلى حزب، وهذا لقناعتها بأهمية وجود تنظيم ثوري ونتيجة لإيمانها بأن التنظيم هو الوسيلة وليست الغاية.
فقد نشرت الرابطة الاشتراكية الأممية بيان الحركة مع ملحق حول المرحلة القادمة وعناوين عريضة لخطة العمل الموضوعة من قبل المجموعة، وهي عبارة عن ٣ عناوين رئيسية: تجمّع للمعطلين عن العمل، إطار نسوي، إطار طلابي شبابي.
لماذا هذا الشكل من الإطارات التنظيمية وما هي خصائص الحزب؟
تجمع للمعطلين عن العمل: هذا التجمع لا يسعى فقط لتنظيم من هم بلا عمل، بل مشروعه أكبر ينقسم على جبهتين مرحلية واستراتيجية. مرحليا يسعى التجمع إلى النضال لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمن هم بلا عمل، أو العمال ذو الدخل المحدود عبر تأمين أدنى مستلزمات الحياة بما يسمى “الدخل الاجتماعي” وهو عبارة عن تقديمات من قبل الدولة كتعويضات البطالة، السكن، الطبابة، النقل، الطاقة، والتعليم. أما من الناحية الاستراتيجية، فإن هذا البرنامج “الأجر الاجتماعي” يغيّر بنية المجتمع ويحوّل الفرد من الولاء لأحزاب السلطة إلى مفهوم المواطن الذي يتلقى خدمات اجتماعية من الدولة.
إطار نسوي: إن كانت حدة الأزمة واقعة على المجتمع بشكل مستشري، فعلى النساء حدتها مضاعفة. فالنساء تعاني الأمرّين ما بين الاستغلال الاقتصادي في العمل انطلاقاً من التمييز الجندري وما بين سيف الذكورية والأبوية. كانت في ما سبق معظم التنظيمات النسوية تطغى عليها الليبرالية كحال الحركات النسوية المناهضة في العالم، أما الحركات النسوية الماركسية فكانت تواجه صعوبات في تنظيم نفسها. لذا من الضروري البدء في خلق تنظيم لا يقسّم على أساس جندري بل على أساس طبقي.
إطار طلابي: لم يغب عن بالنا أنه لا يمكن بناء تنظيم أو تحقيق تغيير من دون الشباب والشابات وتحديداً الطلاب الطالب/ات، وبالأخص طلاب الجامعة اللبنانية لما تتعرض له هذه المؤسسة التعليمية للتهميش لصالح الجامعات الخاصة. بالإضافة إلى أن المناهج التربوية تلعب دورها في تعزيز ثقافة النظام. لذا أمام هذا الإطار معركتان: الأولى الدفاع عن وجود الجامعة الوطنية، والثانية تعديل المناهج التربوية لتكون موحدة وذا معايير علمية ووطنية.
إن مجمل هذه الإطارات تشكل الحزب الثوري الذي يتمتع بخصائص معينة ستكون جزءاً منه.
أولاً الوضوح في الرؤية والطرح:
إن الحزب هو حزب ثوري ماركسي، أي يعتمد على أدوات التحليل الماركسية في نضاله، ويعتبر نظرية الصراع الطبقي هي الركن الأساسي في رؤيته للواقع وصياغة برنامجه وأهدافه. يهدف إلى تخطي الرأسمالية بكافة أشكالها وأدواتها إلى نظام يعتمد على الإنتاج ليس بغاية الربح بل بغاية تأمين الرفاهية للطبقة الأكثر اضطهاداً. كما أن الحزب يعي أن وجوده لا يقتصر على لبنان فقط، بل يتجه نحو طرح اشتراكية شرق أوسطية تنطلق من واقعها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي وتراعي ظروفه والإمكانيات.
ثانيا لا منتسبين بل مناضلين:
ان الحزب يسعى الى بناء صفوفه على أساس وجود مناضلين ثوريين يترفعون عن المصالح الشخصية نحو الهدف العام المرجو تحقيقه، مناضلين/ات لا يغيب عن بالهم حجم المهمات المنوط بهم، مؤمنين بالتغيير بكافة أساليبه.
ثالثا الطابع الأممي:
لا يمكن النضال لتحقيق الرفاهية في مجتمع ما دون فهم بنية النظام العالمي بغاية تخطيه. فالنظام العالمي الرأسمالي في تطوره اللامتكافئ يقوم على استغلال الشعوب وثرواتها. وها هي الأزمات الرأسمالية تتالى بعد أزمة ٢٠٠٨ منذرة بالخراب والبربرية. وبما أن الرأسمالية نظام عالمي، فلا بد من مواجهته أممياً لتحرير الإنسان من استبداد هذا النظام.
إن التغيير أصبح حاجة ملحّة والتنظيم وسيلة. لذا ندعو كافة الرفاق ومن يؤمن بالنضال المنظم كأداة للتغيير، إلى الانخراط في عملية التأسيس نحو عالم حر وشعب سعيد.