لقد اختُتم لتوّه المؤتمر العالمي الثالث للرابطة الأممية الاشتراكية (LIS). وكانت النتيجة ناجحة للغاية، متجاوزةً كل التوقعات. فمنذ تأسيسها عام 2019 لم تتوقف الرابطة عن النمو. وخلال خمس سنوات من وجودها تمددت إلى جميع القارات، وفي هذا المؤتمر حققت قفزة نوعية كبيرة، إذ أعادت هيكلتها في معظم البلدان المركزية، وكادت تضاعف—مقارنة بالمؤتمر السابق الذي عُقد في برشلونة—عدد البلدان التي تمتلك فيها الرابطة، بدرجات متفاوتة من التطور، حضورًا نضاليًا منظمًا. وبمشاركة 72 مندوبًا من 38 بلدًا و5 منظمات ضيفة، جرت النقاشات واعتمدت القرارات التي سنعمل على تعميمها قريبًا لإطلاع النشاط الأممي عليها.

بقلم: أليخاندرو بودارت

في الجزء الأوروبي من إسطنبول، المدينة الوحيدة في العالم المشيَّدة على قارتين، والعاصمة السابقة لثلاث إمبراطوريات، والمشبعة بثقافة وتاريخ ضاربين في القدم، اجتمعنا أكثر من 70 رفيقة ورفيقًا قدموا من مختلف أنحاء العالم.

خلال الأيام الأولى من شهر كانون الأول/ديسمبر بدأت الوفود الأولى بالوصول إلى المكان المختار، الذي جُهّز خصيصًا لاستضافة المؤتمر وتأمين حسن سير أعماله. وقد أدّى رفض السلطات التركية منح تأشيرات لرفاقنا الأفارقة إلى تعذّر حضور عدد من المندوبين من كينيا وبلدان أخرى في المنطقة، إلا أنهم، مع ذلك، ساهموا بشكل كبير عبر المشاركة الافتراضية. في المقابل، أتاح اختيار المكان وصول وفود من بعض بلدان جنوب آسيا ومن بقية الشرق الأوسط، التي يكاد يكون الوصول منها إلى معظم أنحاء العالم مستحيلًا.

وبسبب الأنظمة القمعية لكل من بوتين ولوكاشينكو، التي تُجبر اليسار على العمل في الخفاء، لم تتمكن وفود من روسيا وبيلاروسيا من المشاركة. كما فرضت الحرب مشاركة رفاقنا الأوكرانيين افتراضيًا، إذ تمنعهم القوانين السارية من مغادرة البلاد. وإلى جانب الوفود القادمة من أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى، ومن شبه القارة الهندية، والشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية والوسطى، وضيوف من أوقيانوسيا وبلدان أخرى، انضمّت إلى المؤتمر التنظيمات الجديدة التي التحقت بتيارنا من الولايات المتحدة، وإيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، والبرتغال، والنمسا، وسويسرا، والسويد، والدنمارك، وبنما، إضافة إلى مشاركين من كوبا، وفلسطين، والإكوادور، وغيرها الكثير.

خلال الأيام الستة التي استمرت فيها جلسات المؤتمر، من الصباح الباكر حتى ساعات الليل المتأخرة، تركزت كل النقاشات على الإعداد السياسي لأحزابنا من أجل التدخل في المعارك ضد الهجوم الذي يشنه الإمبريالية واليمين المتطرف على العمال وشعوب العالم. فمن فلسطين إلى أوكرانيا، مرورًا بالانتفاضات التي شهدتها عدة بلدان في أميركا اللاتينية، وشرق آسيا، وأفريقيا، وصولًا إلى التحركات الجماهيرية الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، كانت جميعها جزءًا من تحليلات مؤتمرنا، بمشاركة وفود من أحزاب ومجموعات كانت فاعلًا مباشرًا في معظم هذه العمليات.

الاشتراكية أو الهمجية: تحدي المرحلة

«منذ عام 2008 تتعمق أزمة الرأسمالية وتداعياتها المدمرة على الإنسانية والطبيعة. فالتدهور المستمر في مستوى معيشة العمال والهجوم على الحقوق الاجتماعية والديمقراطية للشعوب يترافقان مع تقدّم غير مسبوق في تدمير البيئة. تتصاعد العنصرية، والتمييز الذكوري، ورهاب المثلية، والهجوم على المهاجرين. وقد عادت الحروب، والأوبئة، وجرائم الإبادة، والصراعات الطائفية. إن اليمين المتطرف، والقمع، وعسكرة الدول تُروَّج من مراكز السلطة في عدة بلدان. هذه هي الحلول الوحيدة التي تقترحها علينا البرجوازيات والإمبريالية. وإذا لم نوقفهم في أقرب وقت، فسيدفعون بنا نحو الهمجية، ثم نحو الفناء. وحدهم العمال، في طليعة ثورة وطنية وإقليمية وعالمية ضد هذا النظام المتعفّن، وبرنامج يقودنا إلى الاشتراكية، قادرون على تجنّب هذا المصير. الاشتراكية أو الهمجية، وإعادة تجميع الثوريين، هما رايتانا في النضال والتنظيم».

بهذه الكلمات يبدأ وثيقـة الوضع العالمي التي جرى إقرارها.

ولمواجهة المرحلة العالمية الجديدة التي نعيشها، وما تتسم به من استقطاب متزايد وغير متكافئ بين يمين متطرف صاعد من جهة، ومقاومة جماهيرية تكافح وأيديها مكبّلة من جهة أخرى، نتيجة الأزمة التاريخية في القيادة الثورية، كان المؤتمر مدرسة في النظرية والسياسة والممارسة الثورية، حيث:
• أقرّ وثيقة حول الظرف الراهن وبيانًا برنامجيًا يشكلان إسهامًا أساسيًا للمناضلين والنشاطين الساعين إلى مواجهة الرأسمالية وهزيمتها من أجل بناء مجتمع بلا اضطهاد ولا استغلال، يتيح للإنسانية التمتع بجمال الحياة في سلام وانسجام مع الطبيعة.
• أعدّ مادة لفهم الأسباب العميقة للأزمة الاقتصادية العالمية، وطرحًا ماركسيًا لمواجهتها.
• ناقش أهمية نضالات تقرير المصير الوطني في المرحلة الراهنة، وصاغ ردًا ثوريًا على الإبادة الجماعية في فلسطين، والحرب في أوكرانيا، والانتفاضات في كشمير، ونضال الشعب الصحراوي، وأطلق حملة ضد التدخل الأميركي وتهديداته العسكرية في فنزويلا ومنطقة الكاريبي.
• عمّق التحليل حول الأزمة الاجتماعية–البيئية وقضايا الجندر، وبلور مقترحات لمواجهة الإبادة البيئية والهجوم الرجعي الذي تشنه اليمينيات على النساء وأصحاب/صاحبات الهويات الجندرية المتنوعة.
• تناول بصورة معمّقة، استنادًا إلى ثلاثة وثائق بديلة، المسألة الانتخابية، والتكتيكات، والسياسات التي ينبغي على الثوريين اتباعها في القرن الذي نعيشه.
• قيّم مختلف تجارب بناء الأطر الواسعة المناهضة للرأسمالية التي شهدها هذا القرن، وحدد معايير للتدخل في العمليات المماثلة التي تعود إلى الظهور في مناطق متعددة من العالم.

نداء لإعادة تجميع الثوريين

وفي الختام، جرى نقاش وصياغة نداء لإعادة تجميع القوى الثورية التي تعمل بشكل متشتت في عالم يزداد اضطرابًا. وستتضمن هذه المبادرة سلسلة من المقابلات مع تلك القوى التي التقينا معها في نقاط أساسية خلال أبرز عمليات الصراع الطبقي، إضافة إلى تحليل مماثل للصراع بين الولايات المتحدة وبقية الإمبريالية الغربية من جهة، والإمبرياليات الجديدة التي تنازعها الهيمنة من جهة أخرى. وسنواصل الحوار مع كل من يبدي استعدادًا لنقاش صادق وبنّاء، بصرف النظر عن الاختلافات القائمة، والتي سيكون من المهم مناقشتها بشكل علني ومن دون أحكام مسبقة.

من جانبنا، سنضع في متناول الجميع التجربة التي راكمتها مختلف مكونات الرابطة الأممية الاشتراكية، والتي مكّنتنا، بالصبر والعزيمة، من تحقيق تقدم مطّرد منذ تأسيسنا حتى اليوم، متجاوزين في سنوات قليلة حضورنا الهامشي الأولي، لنصبح تيارًا متجذرًا ليس فقط في العالم شبه المستعمَر، بل أيضًا في بلدان ذات تطور متوسط وبلدان إمبريالية. وكل ذلك في وقت انفجرت فيه، للأسف، تيارات أخرى من التروتسكية، أو انقسمت وتراجعت، أو بقيت في أفضل الأحوال راكدة.

إن العديد من الصعوبات التي نواجهها في بناء منظماتنا تعود إلى أسباب موضوعية لا يمكن التقليل من شأنها، وفي مقدمتها تأخر وعي طبقتنا، والتحولات البنيوية التي شهدها العالم منذ تسعينيات القرن الماضي. لكنها تعود أيضًا إلى قصر نظر يتجلى في رفض التخلي عن نماذج ربما كانت مفيدة في الماضي، لكنها أثبتت فشلها في الحاضر.

إن بناء أممية جديدة تمتلك من القوة ما يمكّنها من التحول إلى قطب يساهم في بناء أحزاب طليعية وطنية صلبة، ويؤثر في مجرى النضالات الجارية، وينازع بنجاح القوى الإصلاحية على القيادة، هو ضرورة ملحّة. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا جرى تجاوز الادعاء الذاتي الطائفي، والدوغمائية، والتشاؤم الذي قاد منظمات عديدة إلى الانتهازية.

إذا أدرك الثوريون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وبذلوا أقصى الجهود لتجميع القوى وتفادي انقسامات جديدة، يمكننا التقدم. وإذا عملنا معًا لاستثمار الفرص والأزمة التي تنخر في صفوف القوى التقدمية، والديمقراطية الاجتماعية، وبقايا الستالينية، وتعلمنا التعايش بين من جاؤوا من تجارب مختلفة، بهدف بناء تقليد جديد، نستمع فيه إلى بعضنا ونتعلم من بعضنا، فإن تحقيق ذلك يصبح ممكنًا. وإذا استعدنا مركزية ديمقراطية سليمة، حيث لا تكون الخلافات سببًا للانشقاق بل مساهمة في بلورة جماعية، يمكننا عكس مسار التشتت.

في هذا المؤتمر، ضمّت الرابطة الأممية الاشتراكية منظمات كان توحيد الصفوف معها يبدو حتى وقت قريب أمرًا غير قابل للتصديق. فقد تقدمنا مع قوى المعارضة التروتسكية الأممية، ومع مختلف مكونات رابطة الأممية الخامسة، ومع حركة الاشتراكيين المناهضين للرأسمالية في البرتغال، ورفاق من خلفيات متعددة في الولايات المتحدة، ونحن قريبون جدًا من حركة العمال الثوريين في الإكوادور. ولم يقتصر التقارب على منظمات ومناضلين يعرّفون أنفسهم بالتروتسكية، بل شمل أيضًا كوادر ونشطاء قدموا من أزمة الأحزاب الشيوعية في أفريقيا، كما سبق أن فعلنا مع شباب في لبنان.

منظمة جريئة وفي موقع الهجوم

وباقتراح من القيادة المنتهية ولايتها، صوّت المؤتمر بالإجماع على تشكيل لجنة تنفيذية دولية أوسع وأكثر تمثيلًا للنمو الذي تشهده الرابطة، كما انتخب مجموعة من الرفيقات والرفاق لمعالجة القضايا التي تمس أخلاقنا البروليتارية والحزبية.

كما أُنشئت لجنة للعمل على بناء التنظيمات الشبابية في كل بلداننا، ولجان لمواصلة العمل والتنظير والمشاركة في النضالات الاجتماعية–البيئية وقضايا الجندر. واعتمد المؤتمر خطة جريئة للتثقيف والدعاية، تشمل معسكرات شبابية في قارات مختلفة، واجتماعات دورية لقوانا في أوروبا ومناطق أخرى من أجل العمل الموحد في العمليات القارية.

إن هذه القرارات، وهذه البنية التنظيمية، إلى جانب الحملات والمبادرات التي أُقرت للاستجابة الملائمة لواقع الصراع الطبقي، تمنحنا القناعة بأننا سنواصل التقدم في المرحلة المقبلة.